ذهب متخصصون وناشطون في البيئة إلى أن أضرار موجة الحرائق في غرب تونس وشرق الجزائر مست البحر كما أفسدت في البر.
صار من المعتاد أن تشتعل الحرائق ويمتد أمدها بين الأول من يونيو وحتى نهاية أكتوبر من كل عام، لكن هذه الموجة هي الأكثر عنفًا منذ عقود، واتسعت رقعتها حتى بلغت السواحل المجاورة للمدن الأكثر تضررًا.
وتمركزت على الحدود بين البلدين وألحقت بسكان المناطق المتضررة خسائر فادحة؛ إذ يعتمدون على ما توفره الغابات من موارد، وعلى الفلاحة فيها، ناهيك بالضرر البيئي الكبير.
وامتدت معظم تلك الحرائق إلى مدن ساحلية آهلة بالسكان، حتى قال القائل: إن أخطارها وصلت إلى البيئة البحرية.
أتت الحرائق في الجزائر على أكثر من 25 ألف هكتار من المساحات الغابية وبساتين المواطنين، منها 20 ألف هكتار في ولايتي سوق أهراس والطارف شرق الجزائر، النقيب نسيم برناوي، المكلف بالإعلام لدى المديرية العامة للحماية المدنية.
وفي تونس أحرقت النيران -وفق أرقام الحماية المدنية- مساحةً غابيةً فاقت ثلاثة آلاف هكتار، وهي التي لم تتعدَّ السنة الماضية 690 هكتارًا، والمساحات المحترقة هي رئة المدن التونسية.
للتذكرة بأوجه التلف والضرر، تقول الناشطة البيئية بالجزائر زينب مشياش، الحاصلة على ماجستير إعلام في مجال البيئة: ”لا يختلف اثنان على كون حرائق الغابات تؤثر تأثيرًا واضحًا على تركيبة التربة، والكائنات الحية الدقيقة، ونوعية الغطاء النباتي، والحياة البرية، والمناظر الطبيعية، ودورة المياه وجودتها، بالإضافة إلى خطر التآكُل الذي يزيد تعرية التربة، خاصةً على مستوى الأراضي شديدة الانحدار مثلما هو عليه الحال في الجبال المحترقة بالجزائر وتونس“.
بل تضيف: ”أدت الحرائق المتتالية إلى تغيُّر في درجات الحرارة على نحوٍ كبير وغير طبيعي، ما أثر على الحياة البحرية من خلال صعوبة تأقلُم أنواع كثيرة من الأسماك التي تعودت على درجة حرارة مياه معتدلة بحوض البحر المتوسط“.
أما حمدي حشاد -الخبير الدولي في البيئة والمناخ، ومستشار بيئي بوزارة الشؤون المحلية والبيئة بتونس- فيمد أثر الحرائق الأخيرة إلى الشعب المرجانية بالمنطقة الساحلية ما بين عنابة شمال شرق الجزائر إلى عين الدراهم وطبرقة غرب تونس.
ويقول حمدي حشاد : ”هذه المنطقة تحتوي على أحد أكبر الشعب المرجانية بحوض البحر المتوسط، لا سيما بمنطقة القالة الجزائرية وطبرقة التونسية، والتي لها تأثيرٌ كبيرٌ على تنوع الحياة البحرية؛ فالشعب المرجانية حلقة مهمة في حياة الأسماك والكائنات البحرية وتكاثرها“.
ويرى حمدي حشاد أن الحرائق التي اندلعت تدخل في حلقة الاحتباس الحراري، التي لها تأثيرٌ واضحٌ على حوض البحر المتوسط، والحياة العامة تحت الماء وخارجه.
وأضاف : ”ارتفاع درجة حرارة البحر بفعل الحرائق المستمرة، واتساع رقعة التلوث بما تلفظه من انبعاثات ضارة، أدى إلى احتلال الطحالب لأجزاء كبيرة من الشعب المرجانية، بسبب تراجُع بعض الكائنات التي تتغذى على تلك الطحالب، كالقنافذ البحرية“.
ويستطرد: ”تأثرت دورة الحياة البحرية، وتراجعت الثروة السمكية كثيرًا، وقلت وفرة الأسماك، وتأثرت الحياة اليومية للمواطنين، خاصةً الصيادين وعائلاتهم“.
كذلك حولت أمطار الخريف الأخيرة -على غزارتها- أودية جل المحافظات شرق الجزائر إلى اللون الأسود القاتم، يقول الناشط في مجال البيئة بالجزائر، العمري تجار: ”ذلك السواد عبارة عن رماد مشبع بمختلِف الشوائب والمخلَّفات المحترقة، جرفتها مياه الأمطار إلى سواحل تونس والجزائر بكميات هائلة“.
يشير العمري إلى أنه لو كان الأمر متعلقًا برماد الأشجار والغطاء النباتي فحسب لكان الأمر أقل ضررًا، ”لكن نعلم أن النيران أتت على مساكن وما تحويه، ومحطات خدمات مشبعة بالزيوت، ومكبات عمومية للقاذورات بما فيها من مواد بلاستيكية وإطارات المركبات ومواد كيماوية، كلها وصلت إلى السواحل والبحيرات المحاذية للمناطق المتضررة من الحرائق“.
هذا الأمر سيكون له تأثيرٌ كبيرٌ في المدى القريب والبعيد على الحياة البحرية، وتراجُع الثروة السمكية وجودتها، كما ستتأثر المحميات الطبيعية هناك، ”خاصةً محمية طونقة بمدينة القالة شمال شرق الجزائر، التي تُعد من المحميات المصنفة عالميًّا؛ لما تحويه من تنوع إيكولوجي كبير“، وفق العمري.
ويضيف حمدي حشاد إلى تلك التأثيرات البيئية، تأثير تقلص الشعب المرجانية على الاقتصاد الجزائري والتونسي، وكذا الحركة السياحية.
تُعد مدينة طبرقة التونسية والقالة وعنابة الجزائريتان من أهم مدن العالم في إنتاج المرجان الأحمر وتصديره، وهي المناطق الوحيدة في البحر المتوسط التي لا تزال غنيةً به، كما تشتهر تلك المدن بأنشطة الغوص.
وبالعودة إلى البر، أثَّرت الحرائق أيضًا على المواشي وخلايا النحل، مصدر أرزاق قاطني تلك المناطق، بخلاف تضرُّر الأشجار المثمرة ما بين التين والزيتون والحمضيات وغيرها.
يقول الأمين العام للاتحاد الوطني للفلاحين الجزائريين، عبد اللطيف ديلمي: ”للأسف أتلفت الحرائق غطاءً نباتيًّا كبيرًا يعود إلى 200 عام، يضاف إلى خسائر العام الماضي، وهو أمرٌ يصعب تعويضه؛ إذ سننتظر عامًا آخر لإعادة تشجير المناطق المتضررة، وذلك لإعطاء الوقت الكافي للأتربة والنبات البري حتى يتجدد تلقائيًّا“.
ويثمِّن عز الدين حمزي -رئيس جمعية حماية البيئة والتنمية المستدامة لولاية سطيف شرق الجزائر- الإجراءات الصارمة التي باتت الحكومة تتخذها في حق المتورطين في إشعال النيران بالغابات.
وفي تصريح له، أكد حمزي أن الحل الأمثل لإيقاف ظاهرة الحرائق المتكررة كل صيف، هو تصنيف المتورطين فيها في خانة الإرهابيين والمجرمين؛ لأن الاعتداء على الغابة والغطاء النباتي جريمة مكتملة الأركان.
وطالب الحكومة بالإسراع في اقتناء الطائرات المتخصصة في إخماد الحرائق، بعدما أكدت الطائرة المستأجرة من روسيا هذا الصيف نجاعتها ودورها الكبير في السيطرة على عدة حرائق عبر الوطن.
كما تمنى حمزي تفعيل مخطط عمل مشترك بين الفاعلين في إخماد الحرائق، كالحماية المدنية، ومحافظات الغابات، والمصالح الفلاحية، والسلطات المحلية ومختلِف الجمعيات؛ من أجل التدخل الآني ومنع توسع الحرائق التي بات تأثيرها السلبي يتوسع برًّا وبحرًا.
المصدر: scidev.net