يعرف العلماء سابقًا أن درجة حرارة المحيطات تتزايد بسرعة وأن مستويات سطح البحر آخذة بالارتفاع، لكن هذا ليس كل شيء، ونملك الآن وبفضل أرصاد ومشاهدات الأقمار الصناعية 3 عقود من البيانات حول كيفية تغير سرعات تيارات المحيط بمرور الوقت. عُرضت بالتفصيل النتائج التي توصلنا إليها في بحث نُشر في 23 أبريل بمجلة Nature Climate Change، حول كيفية ازدياد نشاط تيارات المحيطات في أجزاء كبيرة من المحيط.
ما هي دوامات المحيط ؟
إذا نظرت إلى المحيط بمنظور عيون طائر، سترى بعض الحركات الدائرية الساحرة في الماء، وتسمى هذه الملامح بدوامات المحيط، وتمنح المحيط شكلًا فنيًا يذكرنا بلوحة فان غوخ «ليلة النجوم».
تمتد هذه الدوامات في مناطق ما بين 10 و 100 كيلومتر في كل أنحاء المحيطات، ومع ذلك توجد مناطق معينة غنية بالدوامات بصورة خاصة، وتشمل هذه المناطق تيار الخليج في شمال المحيط الأطلسي، وتيار كورشيو في شمال المحيط الهادئ، والمحيط الجنوبي الذي يحيط بالقارة القطبية الجنوبية، والأقرب إلى أستراليا تيار شرق أستراليا.
وتعد دوامات المحيط جزءًا لا يتجزأ من دورة المحيط إذ تنقل المياه الدافئة والباردة من موقع لآخر وتمزج الحرارة والكربون والملح والمغذيات وتؤثر على ظروف المحيطات على الصعيدين الإقليمي والعالمي.
الأقمار الصناعية تراقب المحيطات باستمرار …
تتمثل إحدى الطرق التي نرصد بها الحركة على سطح المحيط باستخدام أقمار صناعية متخصصة وقوية تدور حول الأرض، ورغم أن هذه الأقمار الصناعية تقع على ارتفاع آلاف الكيلومترات فوقنا إلا أنها تحدد حتى بضعة سنتيمترات من التغير في ارتفاع سطح البحر.
ثم من خلال تحليل البيانات يمكننا أخذ التغيير في ارتفاع سطح البحر وترجمته إلى سرعات تدفق المحيط، يمكن لذلك أن يخبرنا عن مدى نشاط دوامات المحيط، وبالتحليل الدقيق لأرصاد الأقمار الصناعية اكتشف الفريق تغيرات واضحة في توزيع وقوة دوامات المحيطات، ولم يسبق أن حُددت هذه التغيرات.
كيف تتغير الدوامات؟
حللنا التغيرات في قوة الدوامات باستخدام البيانات المتاحة من عام 1993 وحتى عام 2020، ووجدنا أن المناطق الغنية بالدوامات تزداد غنىً بها، ووسطيًا يزيد نشاط الدوامات بنسبة 5% في كل عقد، وواحدة من المناطق التي وجدنا بها أكبر تغيير هي المحيط الجنوبي، إذ كُشفت زيادة هائلة في نشاط الدوامة بمقدار 5% كل عقد.
وحتى وقت قريب لم يكن بوسع العلماء أن يلاحظوا سوى تغيرات في دوامات المحيطات باستخدام قياسات المحيط المتفرقة، أو باستخدام سجل الأقمار الصناعية المحدود، وأصبح سجل القمر الصناعي حافلًا بما يكفي لاستخلاص استنتاجات سليمة حول الاتجاهات المحتملة طويلة الأمد لسلوك الدوامات.
لماذا يعد ذلك مهمًا؟
لدوامات المحيطات دور هام في المناخ من خلال تنظيم خلط ونقل الحرارة والكربون والكائنات الحية والمغذيات في المحيطات، وبالتالي قد تكون لأبحاثنا آثار بعيدة المدى على المناخ مستقبلًا، وقد عرف العلماء لعقود من الزمن أن الدوامات في المحيط الجنوبي تؤثر على الدوران الانقلابي للمحيط، وعلى هذا النحو فإن التغيرات في الحجم الملحوظ للدوامات يمكن أن يؤثر على معدل امتصاص وتخزين المحيط للحرارة والكربون.
إلا أن التنبؤات المناخية في عالم ترتفع فيه درجات الحرارة، لا تأخذ الدوامات بالحسبان، وبما أنها صغيرة نسبيًا فإنها تظل عمليًا غير مرئية في النماذج الحالية المستخدمة في عرض المناخ في المستقبل، لذلك فإن تأثير الدوامات إما أنه لم يتم حله في الإسقاطات المناخية، أو أنه يتم التقليل من شأنه بشدة، وهذا ما يعد أمرًا مقلقًا خاصة في ضوء اكتشافاتنا التي أصبحت أكثر فاعلية، وتؤكد أبحاثنا على مدى أهمية دمج دوامات المحيط في التوقعات المناخية المستقبلية، وإذا لم نفعل فإننا نتغاضى بذلك عن تفاصيل مهمة وحساسة.
المصدر: Scienec Alert
إعداد: م. هايل هاشم الفتيح – المركز العربي للاستعداد للكوارث