في فجر عصر الفضاء خلال الخمسينيات من القرن الماضي، كانت الأقمار الاصطناعية نادرة، حيث كان عدد قليل منها يدور حول الكوكب في المدار الأرضي المنخفض (LEO)، ولكن الآن، هناك الآلاف من الأقمار الاصطناعية تتجول حول الأرض، وهناك المزيد في انتظار الانضمام إليها.
عدد الأقمار الاصطناعية الموجودة حول الأرض
بعد أن أطلق الاتحاد السوفيتي “سبوتنيك”، أول قمر صناعي في العالم عام 1957م، بدأ تدفق الأقمار الاصطناعية إلى المدار الأرضي المنخفض، مع إطلاق ما بين 10 – 60 قمر صناعي سنويًا حتى عام 2010، وقد ارتفع هذا المعدل منذ ذلك الحين، حيث تم إطلاق أكثر من 1300 قمر صناعي جديد في المدار الأرضي المنخفض في عام 2020، وإطلاق أكثر من 1400 قمر صناعي في عام 2021.
في المجموع، كان هناك حوالي 7500 قمر صناعي في المدار الأرضي المنخفض بحلول سبتمبر 2021، وفقًا لمؤشر أجسام الفضاء الخارجي التابع للأمم المتحدة.
ارتفع هذا العدد إلى 8578 قمر صناعي في المدار الأرضي بحلول أكتوبر 2022، وفقًا لمؤشر أجسام الفضاء الخارجي التابع للأمم المتحدة، تتبع هذه الأقمار لـ75 دولة، حوالي 5,058 قمرا صناعيا ينتمي إلى الولايات المتحدة، تليها روسيا بـ1375 قمرا صناعيا. (آخر تحديث 10-10-2022)
عدد الأقمار الاصطناعية التي سيتم إطلاقها في المستقبل القريب
ازدحام متوقع في مدار الأرض
سيستمر عدد الأقمار الاصطناعية في المدار الأرضي المنخفض (وهي منطقة تمتد حتى ارتفاع 2000 كيلومتر من سطح الأرض) في الزيادة بمعدل أسي في العقود القادمة، ذلك لأن الشركات الخاصة تقوم بإنشاء مجموعات ضخمة خاصة بها، كل منها يحتوي على آلاف الأقمار الاصطناعية الفردية، والتي سيتم استخدامها لتطوير شبكات أسرع عبر الإنترنت وتقديم مجموعة من الخدمات الأخرى، مثل مراقبة تغير المناخ.
وهذا النشاط المتزايد يحدث الآن إلى حد كبير بسبب انخفاض التكاليف، حيث اقترحت شركات: SpaceX و OneWeb و Amazon و StarNet / GW، إجمالي 65000 قمر صناعي عند تضمين جميع مراحل برامج الأقمار الاصطناعية الخاصة بها، وقد تم اقتراح ما مجموعه أكثر من 100 ألف قمرا صناعيا.
وفي أكتوبر 2021 ، أعلنت رواندا أيضًا عن مجموعتها الضخمة المسماة “Cinnamon” ، والتي يمكن أن تحتوي على أكثر من 320,000 قمر صناعي، ليس من الواضح متى يمكن أن يصبح هذا المشروع حقيقة، لكن الدولة طلبت الإذن لبدء المشروع، وفقًا لتغريدة نشرتها وكالة الفضاء الرواندية.
قد يؤدي هذا إلى تفاقم انتشار الحطام الفضائي، ويتدخل في علم الفلك ومراقبة النجوم، كما يتسبب إطلاق الصواريخ وإعادتها في تلوث الغلاف الجوي، وما زال العلماء يدرسون مدى التأثيرات الأخرى.
المشاكل التي قد تسببها كل تلك الأقمار الاصطناعية
ازدحام الفضاء والحطام الفضائي
مع إطلاق المزيد من الأقمار الاصنطاعية في المدار خلال العقود القادمة، من المرجح أن يرتفع عدد الاصطدامات وما يتبعها من حطام فضائي، إذ يوجد بالفعل ما لا يقل عن 128 مليون قطعة من الحطام في المدار الأرضي المنخفض، من بينها، هناك حوالي 34000 يزيد طولها عن سنتيمترات، وسيكون هناك المزيد في المستقبل.
الاصطدامات ليست المصدر الوحيد للحطام الفضائي، فالأقمار الاصطناعية يمكن أن تتعطل أيضًا من التعرض الطويل للأشعة فوق البنفسجية الشديدة في المدار الأرضي المنخفض.
ولدى الحطام الفضائي القدرة على التسبب في أضرار جسيمة للأقمار الاصطناعية الأخرى، وكذلك المركبات الفضائية الأخرى.
في يونيو 2021 ، أصيبت محطة الفضاء الدولية بقطعة من الحطام أحدثت ثقبًا في ذراع آلية، ولحسن الحظ، فإن المحطة الفضائية ورواد الفضاء في الداخل تجنبوا أي ضرر كبير.
في النهاية ، يمكن أن يؤدي عدد الأقمار الاصطناعية في المدار الأرضي المنخفض إلى سلسلة من الاصطدامات التي من شأنها أن تنثر الحطام الفضائي حول المدار الأرضي المنخفض، لدرجة أننا لن نكون قادرين على إطلاق صواريخ جديدة.
ومع ذلك ، فإن إزالة الحطام الفضائي من المدار الأرضي المنخفض يمثل تحديًا لوجستيًا ولا يوجد حتى الآن طريقة متفق عليها لإزالة الحطام.
التلوث الناتج عن إطلاق وإعادة دخول الصواريخ التي تحمل الأقمار الاصطناعية
تلوث الغلاف الجوي للأرض
صناعة الفضاء لديها بصمة كربونية أقل بكثير من الصناعات الأخرى، حيث ينتج عن إطلاق صاروخ بالمتوسط ما بين (200 إلى 300 طن متري) من الكربون في الغلاف الجوي للأرض، بينما متوسط ما ينتج عن رحلة طيران تجارية طويلة المدى حوالي (1.8 إلى 2.7 طن متري) من الكربون لكل راكب، وهناك عشرات الملايين من الرحلات الجوية كل عام.
إلا أن زيادة الطلب على الصواريخ اللازمة لإطلاق الأقمار الاصطناعية، زاد انبعاثات الكربون الناتجة عن إطلاق الصواريخ بنسبة 5.6% سنويًا.
ولا يقتصر الأمر على عمليات إطلاق الأقمار الاصطناعية، فعندما تعود الأقمار الاصطناعية في النهاية وتدخل إلى الغلاف الجوي للأرض، فإنها تطلق أيضًا مواد كيميائية في الغلاف الجوي.
كشفت دراسة أنه ، في المستقبل ، يمكن أن تنتهي عمليات إعادة دخول الأقمار الاصطناعية بإضافة عناصر معينة (مثل الألمنيوم) في الغلاف الجوي للأرض أكثر مما تفعل النيازك، وهذا يغير كيمياء الغلاف الجوي.
علاوة على ذلك، مع عودة الأقمار الاصطناعية إلى الغلاف الجوي، يمكن أن تسبب أيضًا أضرارًا كبيرة على الأرض، لكن الأقمار الاصطناعية الحديثة مصممة لتتفتت إلى أجزاء أصغر عند إعادة الدخول، لذا فإن هناك مواد أقل تصل إلى السطح، وعادة ما تهبط النفايات الفضائية المتساقطة في الماء الذي يغطي حوالي 71% من سطح الأرض.
التلوث الضوئي
في المستقبل، سيكون نشاط الأقمار الاصطناعية المتزايد مرئيًا بوضوح من الأرض، حيث ستعمل الأجسام المعدنية مثل المرايا، وتعكس الضوء مرة أخرى نحو سطح الأرض، وسيغير العدد الهائل منها نظرتنا للسماء ليلاً بشكل جذري.
كشفت دراسة عن التلوث الضوئي نشرت في سبتمبر 2021، أن ما يصل إلى 8٪ من الضوء في سماء الليل يمكن أن يأتي من الأقمار الاصطناعية في المستقبل، ووجدت الدراسة أيضًا أن الأماكن القريبة من خط عرض 50 درجة شمالًا وجنوبيًا، يمكن أن تتأثر من التلوث الضوئي للأقمار الاصطناعية أكثر من المواقع الأخرى، بسبب مدارات الأقمار الاصطناعية المقترحة مستقبلا.
يمكن أن يختلط علينا مشهد نجوم السماء في المستقبل، وقد يصل المعدل إلى 1 من كل 10 “نجوم براقة” في السماء يمكن أن تكون أقمارًا صناعية، وهذا لن يتداخل مع مراقبة النجوم للهواة فحسب، بل تتداخل أيضًا مع المراقبة التي يجريها علماء الفلك المحترفين.
ضرورة إيجاد التوازن
مع التأثيرات الضارة التي تم ذكرها للأقمار الاصطناعية، تبقى الأقمار الاصطناعية وسيلة هامة تزودنا بخدمات ضرورية، تلعب الأقمار الاصطناعية دورًا رئيسيًا في العديد من المجالات، منها مراقبة الطقس وعلوم المناخ والاتصالات العالمية والبحث والإنقاذ.
لذلك على البشرية أن تجد توازنا بين الآثار السلبية والأهمية الوظيفية للأقمار الاصطناعية.
المصادر:
- United Nations Office for Outer space affairs
- وكالات فضاء
إعداد: م. هايل هاشم الفتيح – المركز العربي للاستعداد للكوارث