من الطاعون في القرن الرابع عشر إلى الإنفلونزا الإسبانية سنة 1918، أثرت الأوبئة في كيفية استجابة المجتمع. تضغط الأوبئة أساسًا على الأنظمة الصحية، لكنها تُرهق عدة جوانب أخرى من المجتمع أيضًا.
لنعرف المزيد عن الآثار المجتمعية وعواقب الأوبئة الماضية، تعاون فريقنا مع ألكسندر وايت، الأستاذ مساعد في علم الاجتماع وتاريخ الطب بجامعة جونز هوبكنز.
كيف كانت الاستجابة الدولية لكوفيد-19 مقارنةً بما حدث في الجائحات الماضية؟
هذا سؤال معقد على عدة مستويات، إذ يُعَد كوفيد-19 مرضًا مؤثرًا للغاية في زعزعة استقرار الأنظمة الصحية وإرباك الاقتصاد العالمي. ينتقل المرض دون ظهور أعراض على حامليه، أو تقتصر أعراضه على أعراض خفيفة في الكثير من الحالات، ما يعني أن قدرته على الانتشار عالية للغاية، وأنه يمثل تهديدًا حقيقيًا للنظام الصحي حول العالم.
منذ عام 1851، عُدَّت الأمراض المُعدية تهديدًا بالغ الأهمية للشعوب والمجتمع الدولي. هدفت المؤتمرات الصحية العالمية التي عُقدت منذ ذلك الوقت إلى منع انتقال الأمراض المُعدية دون إعاقة التجارة العالمية، فمنذ أواخر القرن التاسع عشر، وخلال الحرب العالمية الثانية، أشرف المؤتمر الصحي العالمي على الاستجابة الدولية لانتشار 3 أوبئة، هي الطاعون والكوليرا والحمى الصفراء، ثم انتقلت هذه المسؤوليات إلى ما يُعرَف الآن بمنظمة الصحة العالمية.
استجابت منظمة الصحة العالمية لمرض كوفيد-19 بسرعة فائقة، وقد وضعت منذ 2005 بروتوكولات ومعايير لتحديد استعداد الأنظمة الصحية حول العالم لما يُسمى (طارئًا صحيًا يدعو للاهتمام العالمي). أعلنت منظمة الصحة العالمية كوفيد-19 طارئًا صحيًا يدعو للاهتمام العالمي في يناير الماضي، ما سلط الضوء على التهديد الحتمي للمرض، إذ يعني هذا الإعلان الحاجة العاجلة إلى استنفار استجابة دولية.
كشفت الاستجابة لإعلان منظمة الصحة العالمية عن قابلية محدودة في فحص الحالات المشتبه بها، خاصةً في الولايات المتحدة وأوروبا، ما يعني أن قدرتنا على علاج المرض ضعيفة.
كثيرًا ما يُقارَن كوفيد-19 بجائحة الحمى الإسبانية سنة 1918، ووباء إنفلونزا الخنازير H1N1 في 2009، فهل هي مقارنة عادلة؟
مقارنةً بكوفيد-19، فإن الوباء الذي تجاهله العالم كان وباء فيروس إيبولا في الكونغو وغرب أفريقيا، وهو وباء حديث نسبيًا. اتُخذت إجراءات قاسية للتباعد الاجتماعي وقتًا طويلًا في غينيا وليبيريا وسيراليون. ورغم اختلاف آلية انتقال فيروس إيبولا بين البشر عما يحدث في حالة فيروس كورونا، تُعَد استراتيجية التباعد الاجتماعي الفعالة التي اتُخذت في دول غرب أفريقيا حلًا مُحتمَلًا للجائحة الحالية.
آمل أن نستوعب كون إجراءات التباعد الاجتماعي الحالية ناتجة من اهتمام بعضنا بالبعض، إذ يجب أن نكون أكثر وعيًا حول كيفية حماية الأشخاص الذين نحبهم، والعاملين بالمجال الصحي الذين يواجهون هذا المرض.
وُضعت عدة فرضيات حول كيفية تأثير تدابير الصحة العامة مثل التباعد الاجتماعي في طبيعة المجتمع. تاريخيًا، ما الآثار الباقية إلى الآن في المجتمعات من الجائحات السابقة؟
نتج من وباء الطاعون في كيب تاون سنة 1901 حجر صحي تسوده تفرقة عنصرية عنيفة للغاية. بل يمكن القول إن الوباء كان من أسباب التفرقة العنصرية في جنوب أفريقيا. يُعَد هذا مثالًا تاريخيًا صارخًا للكيفية التي تؤدي بها العنصرية والتعصب إلى ردود فعل عنيفة وظالمة لفئات من المجتمع.
إن الوباء أزمة، وكما حدث في أزمات أخرى، تثور الشكوك حول أكثر المعتقدات الراسخة في المجتمع، وهو ما يحدث حاليًا. آمل أن نرى كيف أن الفروق الاجتماعية والاقتصادية في الصحة المجتمعية اتسعت نتيجة جائحة كورونا، فقد يساعدنا ذلك على خلق أنظمة أفضل في المستقبل.
للأسف فإن الإشارة إلى الجائحة بتسميات مثل الفيروس الصيني أو فيروس ووهان سيؤدي إلى التمييز العنصري ضد الصينيين أو الأشخاص ذوي الأصول الآسيوية، ما سيؤدي إلى عنف وكراهية وتعصب وقد رأينا ذلك بالفعل. إن الطرق التي تحفز بها الأوبئة مثل تلك الممارسات العنصرية المتعصبة ليست شيئًا جديدًا، لكنها تمثل تهديدًا حقيقيًا للاستجابة الصحية الفعالة للجائحة.
رأينا سابقًا كيف أن الاستجابة لأمراض معينة مثل الإيدز في الثمانينيات أو الطاعون في أوائل القرن العشرين ارتبطت بالتعصب، ووُصف المرض بأنه وصمة عار، خاصةً إن كان المرض يرتبط بفئة معينة أو مجتمع معين، ما يؤدي إلى ردود أفعال انتقامية أحيانًا. إن آخر شيء نريده حرمان المرضى من الرعاية الصحية التي يحتاجون إليها، خوفًا من تعرضهم للعنصرية أو وصمهم بالعار بسبب مرضهم.
أيضًا تجدر الإشارة إلى كيفية تسليط الأوبئة الضوء على عدم المساواة، وهو ما نراه الآن في المعدلات العالية للبطالة التي بدأت تُرهق مجتمع الولايات المتحدة. إن نسبة المبادرات الوطنية لمساعدة المتضررين قليلة للغاية مقارنةً بأعداد من فقدوا وظائفهم في مجالات عدة مثل الضيافة والترفيه وموظفي المطاعم.
إننا نرى كيف أن العنصرية والتفرقة وعدم المساواة تعرض أشخاصًا بعينهم لخطر أكبر من الأعراض الحادة والمضاعفات، وهذا نتاج التفرقة المجتمعية، إضافةً إلى كونه أثرًا سلبيًا للوباء. ويجب أن نأخذ هذا في حسباننا عاجلًا، فهو من نتائج تراجع الرفاهية الاجتماعية.
المصدر: Medical X Press
ترجمة: م. هايل هاشم الفتيح – المركز العربي للاستعداد للكوارث