الحرب ضد البلاستيك تشتت انتباهنا عن التلوث الذي لا يمكن رؤيته

الحرب ضد البلاستيك تشتت انتباهنا عن التلوث الذي لا يمكن رؤيته

قد تلقي الحرب ضد المواد البلاستيكية ظلالها على أخطار أكبر تهدد البيئة، بالتعاون مع الخبراء في العلوم البيئية والهندسة والصناعة والسياسة والجمعيات الخيرية، كتبنا ورقةً بحثيةً في مجلة WIREs Water سلطت الضوء على الخوف من احتمالية تجاهل الوضع البيئي بسبب الإجراءات سهلة التنفيذ ضد التلوث بالمواد البلاستيكية، إذ يُضلَّل الناس بعناوين الأخبار المثيرة للقلق والصور المؤثرة و«الغسل الأخضر» الذي يخدع المستهلكين حول الممارسات البيئية للشركات أو الفوائد البيئية لمنتج أو خدمة ما.

تعد المواد البلاستيكية مفيدةً ومتعددة الاستعمالات، لذا يعتمد عليها المجتمع الحديث كثيرًا، ومع ذلك تشكل واحدةً من قضايا البيئة المهمة في وقتنا الحالي.

على مدى السنوات السابقة شجع التلوث بفعل المواد البلاستيكية الأفراد والمنظمات والحكومات على اتخاذ إجراءات تصل إلى مستوى مماثل لبعض التهديدات الكبرى مثل تغير المناخ وفقدان التنوع البيولوجي.

ثمة ما يبرر القلق من هذا النوع من التلوث، فهو يشلُّ الحياة البرية، فمن المحتمل أن تبتلع الكائنات بقايا منتج بلاستيكي ليسد معدتها أو أمعاءها، وقد يحوي مواد كيميائيةً خطرة، تتفتت إلى قطع صغيرة لينتهي بها الأمر إلى جزيئات بلاستيكية دقيقة -أصغر من 5 ميليمتر- تتراكم في السلسلة الغذائية، وقد وُجدت تلك المواد البلاستيكية في بعض أكثر الأماكن النائية في العالم.

ومع ذلك الامتعاض واسع الانتشار نحو المواد البلاستيكية، توجد مجموعة من المواد لا يمكننا الاستغناء عنها ولا ينبغي أن نعيش من دونها، إذ يدور الجدال حول المواد البلاستيكية مع أنها لا تسبب مشكلةً بذاتها، لكن عدم إدراك مخاطرها هو ما يؤدي إلى تفاقم الوضع وظهور كوارث بيئية ومجتمعية أكثر مما نتخيل.

 

بعض أنواع التلوث أقل وضوحًا

تُعد الآثار البيئية لبعض الملوثات الأقل وضوحًا للعيان معروفةً جيدًا، إذ تساهم الغازات الدفيئة مثل ثاني أكسيد الكربون والميثان في الاحتباس الحراري، وترتبط الأمراض التنفسية بالجسيمات الدقيقة التي تعد أيضًا أحد المكونات الرئيسية للدخان الضبابي، وما تزال الإشعاعات الناتجة عن كارثة تشيرنوبيل النووية مستمرةً بالتأثير في الحياة البرية في المنطقة المحظورة التي سيطرت عليها.

يسبب المجتمع البشري تلوثًا للبيئة بطرق عديدة لا يدركها أغلب الناس، وقد حدث ذلك قبل انتشار القلق من التلوث البلاستيكي، إذ تؤدي الزراعة إلى إحداث تلوث ناجم عن المبيدات الحشرية، إلى جانب تسرب المعادن السامة التي تدخل في تركيب الإلكترونيات والمركبات والمباني نتيجةً لتطايرها وانجرافها بعيدًا عن أماكن تعدينها، وقد تصل الأدوية التي قد لا تستهلكها أجسامنا كاملةً بعد طرحها إلى المصارف لتجد طريقها إلى الأنهار والبحيرات.

تؤدي هذه الحقائق التي لا ينتبه إليها العديد من الناس -مع أنهم يتعاملون معها يوميًا- إلى تدهور البيئة وتسمم الحياة البرية، فإلى جانب الجسيمات البلاستيكية لدينا المواد الكيميائية التي تمثل تلوثًا أقدر على التنقل، وتأثيرًا ذا مدى أطول. يُعد التلوث بالبلاستيك مصدر إلهاء مناسب عن هذه الحقائق المزعجة، بدءًا من التشريعات السياسية التي جعلت من أبرز أولوياتها الإجراءات الحاسمة ضد هذا النوع من التلوث، لكن تلك الإجراءات لم تتناسب مع التأثير البيئي لهذا التلوث، فمثلًا لم يعالج حظر الميكروبيدات -نوع من البلاستيك القاتل الذي يدخل في تركيب العديد من المستحضرات التجميلية ومعجون الأسنان- سوى جزء صغير للغاية من المشكلة، ولا نعني بذلك أن الميكروبيدات غير موجودة في البيئة أو أنها لا تشكل خطرًا عليها، لكن يجب على المسؤولين، مثل العلماء ورجال الصناعة والإعلاميين والسياسيين، عدم تضليل جماهيرهم بنشر الأبحاث والسياسات البيئية التي تفتقر إلى السياق المناسب.

 

المهم هو المُنتَج، لا البلاستيك

يُعد البلاستيك نوعًا واحدًا فقط من المواد التي يستخدمها الإنسان في البيئة، إذ تُعد ألياف المنسوجات مثل البوليستر والنايلون من أشكال التلوث البارزة، لكن في الآونة الأخيرة بدأت الألياف الطبيعية مثل الصوف والقطن بالهيمنة على العينات البيئية، ومع قابلية هذه الألياف الطبيعية للتحلل الحيوي فقد يسبب التحلل تسربًا لمواد كيميائية تضر بالبيئة مثل الأصباغ.

يُروج الزجاج والألمنيوم بوصفهما حلولًا بديلةً لتلوث القوارير البلاستيكية، لكن قد يسبب ذلك زيادةً في البصمة الكربونية -انبعاثات ثاني أكسيد الكربون- مقارنةً بما يسببه البلاستيك المستبدل، مع بقاء الكثير من البدائل في البيئة، فالشخص الذي يرمي العلبة البلاستيكية في النهر لن يغير سلوكه إذا صُنعت العلبة من الألمنيوم.

إذاً فالمشكلة تكمن في المُنتَج نفسه وليس في البلاستيك بحد ذاته، فالرغبة في الراحة والسهولة، والصناعات المعتمدة على الاستهلاك المفرط لا الاستهلاك المدروس أو المستنير، وثقافة السياسات الشعبية غير المتقدمة تشكل معًا سببًا للجدل القائم حول البلاستيك، إذ يمثل التلوث الناجم الجزء الوحيد الذي يمكنك رؤيته.

 

ما الذي يجب فعله!

غالبًا ما يُخلَط بين «التلوث بالبلاستيك» و«البلاستيك» نفسه، فالتلوث بالبلاستيك من الأعراض الظاهرة للعيان التي ترتبط بمستويات الاستهلاك غير المُستدامة، وتصميم المنتج غير المناسب، وسوء إدارة النفايات والسياسات المخادعة.

لا يمكن رؤية انبعاثات الغازات الدفيئة وخسائر التنوع البيولوجي وممارسة الأعمال الاستغلالية والتلوث الكيميائي بوضوح شديد، أو ملاحظة تطور آثارها إلا بعد انقضاء فترة زمنية طويلة، ولكن فور أن تصبح تلك الآثار مرئيةً فقد فات الأوان، لذلك توجد حاجة ملحة إلى زيادة التعريف بالخطر وتسليط الضوء على ذلك التلوث غير المرئي.

حشد التلوث بالبلاستيك مستويات غير مسبوقة من العمل البيئي، ولنجاح ذلك النشاط يجب التركيز على الأسباب الحقيقية، مثل الاستهلاك الزائد للأغراض التي يمكن التخلص منها بسهولة بدلًا من التركيز على مجرد وجود البلاستيك في البيئة. يجب بذل المزيد من الجهود في تأطير هذا النوع من التلوث ضمن سياق الملوثات الأخرى الأهم.

 

المصدر: Live Science 

إعداد: م. هايل هاشم الفتيح – المركز العربي للاستعداد للكوارث

Leave a Comment

Your email address will not be published.